فصل: تفسير الآية رقم (68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [51].
{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} أي: هدايته للحق وهو التوحيد الخالص: {مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل موسى وهارون: {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} أي: علمنا أنه أهل لما آتيناه. أو علمنا أنه جامع لمكارم الأخلاق التي آتيناه إياها، فأهّلناه لخلتنا وأخلصناه لاصطفائنا.

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [52].
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} أي: ما هذه الصور الحقيرة التي عكفتم على عبادتها. استفهام تحقير لها وتوبيخ على العكوف على عبادتها، بأنها تماثيل صور بلا روح، مصنوعة لا تضر ولا تنفع، فكيف تعبد؟.

.تفسير الآيات (53- 54):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [53- 54].
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} أي: فقلدناهم وتأسينا بهم {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: لا يخفى على عاقل لعدم استناد الفريقين إلى دليل، بل إلى هوى متََّبَع وشيطان مطاع. وفي الإتيان بفي الظرفية دلالة على تمكنهم في ضلالهم، وأنه ضلال قديم موروث. فهو أبلغ من ضالين.

.تفسير الآيات (55- 56):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [55- 56].
{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ} أي: بالجد في دعوى الرسالة ونسبتنا إلى الضلال: {أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} قال الزمخشريّ رحمه الله: الضمير في فَطَرَهُنَّ للسماوات والأرض أو للتماثيل. وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم وأثبت للاحتجاج عليهم. أي: لدلالته صراحة على كونها مخلوقة غير صالحة للألوهية، بخلاف الأول، وجوابه عليه السلام إما إضراب عما بنوا عليه مقالتهم في اعتقاد كونها أرباباً لهم، كما يفصح عنه قولهم: {نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71]، كأنه قيل ليس الأمر كذلك بل: {رَبُّكُمْ} الآية. أو إضراب عن كونه لاعباً بإقامة البرهان على ما ادعاه. وقوله: {مِنَ الشَّاهِدِينَ} أي: المبرهنين عليه بالحجة، لا لقولكم العاطل منها.

.تفسير الآية رقم (57):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [57].
{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} لأحتالن لفضيحتها بإظهار عجزها: {بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} أي: عنها بفراغكم من عبادتها.

.تفسير الآية رقم (58):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [58].
{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً} أي: قطعاً مكسرة، بعد أن ولوا عنها، ليعلموا أنها لا تتحلم إلى هذا الحدّ. فهو عجّزهم في الدفع عن أنفسهم. فتوقعُ عابدهم الدفع عن نفسه غاية السفه: {إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} أي: فيسألونه: لم فعل بآلهتهم؟ فإذا ظهر عجزه عن النطق، فمن دونه أعجز منه في ذلك. فضلاً عن الدفع للذي أظهر عجزهم فيه. فرجعوا فأتوا بيت الأصنام فوجدوها جذاذاً.

.تفسير الآية رقم (59):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [59].
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا} أي: هذا الفعل الفظيع: {بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أي: لجرأته على إهانتها وهي الجديرة عندهم بالتعظيم. أو لإفراطه في التجذيذ والحطم، وتماديه في الاستهانة بها. أو بتعريض نفسه للهلكة. والاستفهام للإنكار والتوبيخ والتشنيع.

.تفسير الآيات (60- 61):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [60- 61].
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} أي: يحضرون عقوبته.
قال ابن كثير: وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام، أن يبين في هذا المحفل العظيم كثيرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضراً ولا تملك لها نصراً. فكيف يطلب منها شيء من ذلك؟.

.تفسير الآيات (62- 63):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [62- 63].
{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} يعني الذي تركه لم يكسره. فإن ترددتم أنه فعلي أو فعله: {فَاسْأَلُوهُمْ} أي: يجيبوكم: {إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} أي: والأظهر عجزهم الكليّ المانع من القول بإلهيتها. والقول فيه، أن قصد إبراهيم صلوات الله عليه، لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم. وإنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضيّ يبلغ فيه غرضه عن إلزامهم الحجة، وتبكيتهم. ولقائل أن يقول: عاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة مرتبة. وكان غيظ كبيرها أكبر وأشد، لما رأى من زيادة تعظيمهم له. فأسند الفعل إليه لأنه هو الذي متسبب لاستهانته بها وحطمه لها والفعل كما يسند إلى مباشره، يسند إلى الحامل عليه. فيكون تمثيلاً أراد به عليه السلام تنبيههم على غضب الله تعالى عليهم، لإشراكهم بعبادته الأصنام. ويحكى أنه قال: فعله كبيرهم هذا، غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها. فكأنه قيل: فعله ذلك الكبير على مقتضى مذهبكم، والقضية ممكنة. وأظهر هذه الأوجه هو الأول. وعليه اقتصر الإمام ابن حزم في كتابه الفصل في الرد على من جوز على الأنبياء المعاصي، وعبارته: وأما قوله عليه السلام: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} فإنما هو تقريع لهم وتوبيخ كما قال تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، وهو في الحقيقة مهان ذليل مهين معذب في النار. فكلا القولين توبيخ لمن قيلا له، على ظنهم أن الأصنام تفعل الخير والشر. وعلى ظن المعذب في نفسه في الدنيا أنه عزيز كريم. ولم يقل إبراهيم هذا على أنه محقق لأن كبيرهم فعله. إذ الكذب، إنما هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وقصداً إلى تحقيق ذلك. وجليٌّ أن مراده عليه السلام، على كلٍّ، إنما هو توجيههم نحو التأمل في أحوال أصنامهم كما ينبئ عنه قوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} أي: إن كانوا ممن يمكن أن ينطقوا. قال أبو السعود: وإنما لم يقل عليه السلام: إن كانوا يسمعون أو يعقلون، مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضاً، لما أن نتيجة السؤال هو الجواب، وأن عدم نطقهم أظهر، وتبكيتهم بذلك أدخل. وقد حصل ذلك أولاً حسبما نطق به قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (64):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [64].
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: فراجعوا عقولهم، ومراجعة العقل مجاز عن التفكير والتدبر، والمراد بالنفس النفس الناطقة، والرجوع إليها عبارة عما ذكر: {فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} أي: بهذا السؤال أو بعبادة من لا ينطق ولا يضر ولا ينفع، لا مَن كسرها، فَلِمَ تنسبوه إلى الظلم بقولكم: {إَنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.

.تفسير الآية رقم (65):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} [65].
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ} أي: حياءً من نقصهم، وخضوعاً وانفعالاً من إبراهيم، قائلين: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} أي: ليس من شأنهم النطق، فكيف تأمرنا بسؤالهم؟.

.تفسير الآيات (66- 67):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [66- 67].
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي: قبح صنيعكم في عبادة ما لا يضر ولا ينفع.
تنبيه:
ذكر في الكشاف في قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ} أربعة أوجه. وحاصله كما في العناية- أن التنكيس قلب الشيء بجعل أعلاه أسفله. فإما أن يستعار للرجوع عن الفكرة المستقيمة في تظليم أنفسهم، إلى الفكرة الفاسدة في تجويز عبادتها، مع عجزها فضلاً عن كونها في معرض الألوهية. فقوله: {لَقَدْ عَلِمْتَ} معناه لم يخف علينا وعليك أنها كذلك وأنا اتخذناها آلهة مع العلم به. والدليل عليه قوله: {أَفَتَعْبُدُونَ} الخ، أو أن التنكيس الرجوع عن الجدال الباطل إلى الحق في قولهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ} لأنه نفي لقدرتها واعتراف بأنها لا تصلح للألوهية، وسمي نكساً وإن كان حقاً، لأنه ما أفادهم مع الإصرار. ولكنه نكس بالنسبة لما كانوا عليه من الباطل. أو النكس مبالغة في إطراقهم خجلاً وقولهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ} لحيرتهم أتوا بما هو حجة عليهم. أو النكس مبالغة في الحيرة وانقطاع الحجة {أُفٍّ} صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر. وفيه لغات كثيرة كما في كتب اللغة. قال الزمخشري: أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق وزهوق الباطل، فتأفف بهم. ولما عجزوا عن المحاجّة أخذوا في المضارّة، شأن المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة لم يكن أحد أبغض إليه من المحقّ، ولم يبق له مفزع إلا مناصبته.

.تفسير الآية رقم (68):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [68].
{قَالُوا حَرِّقُوهُ} أي: لأنه استحق أشد العقاب عندهم، والنار أهول ما يعاقب به: {وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} أي: بالانتقام لها: {إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} أي: به شيئاً من السياسة، فلا يليق به غيرها.

.تفسير الآية رقم (69):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [69].
{قُلْنَا} أي: تعجيزاً لهم ولأصنامهم، وعناية بمن أرسلناه، وتصديقاً له في إنجاء من آمن به: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً} أي: باردة على إبراهيم، مع كونك محرقة للحطب: {وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} أي: ولا تنتهي في البرد إلى حيث يهلكه، بل كوني غير ضارة. وجوز كون سلاماً منصوباً بفعله. والأمر مجاز عن التسخير، كما في قوله: {كُونُوا قِرَدَةً} [البقرة: 65]، ففيه استعارة بالكناية بتشبيهها بمأمور مطيع، وتخييلها الأمر والنداء، ولذا قال أبو مسلم: المعنى أنه سبحانه وتعالى جعل النار برداً وسلاماً، لا أن هناك كلاماً، كقوله: {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يّس: 82]، أي: فيكونه. فإن النار جماد ولا يجوز خطابه. وهو ظاهر.
تنبيه:
قال الرازي: لهم في كيفية برودة النار ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحرّ والاحتراق، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق. والله على كل شيء قدير.
وثانيها: أن الله تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه. كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة. وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة. وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار.
ثالثها: أنه سبحانه خلق بينه وبين النار حائلاً يمنع من وصول أثر النار إليه.
قال المحققون: والأول أولى لأن ظاهر قوله: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً} أن نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها، لا أن النار بقيت كما كانت.

.تفسير الآيات (70- 71):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [70- 71].
{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} أي: أرادوا أن يكيدوه بالإضرار، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين. قال الزمخشري: غالبوه بالجدال فغلَّبه الله ولقنه بالمبكّت. وفزعوا إلى القوة والجبروت فنصره وقوّاه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً} أي: لأنه هاجر معه: {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} وهي أرض الشام. بورك فيها بكثرة الأنبياء وإنزال الشرائع التي هي طريق السعادتين. وبكثرة النعم والخصب والثمار وطيب عيش الغنيّ والفقير. وقد نزل إبراهيم عليه السلام بفلسطين، ولوط عليه السلام بسدوم. ثم بين بركته تعالى على إبراهيم بقوله:

.تفسير الآية رقم (72):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ} [72].
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} أي: بدعوته: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} أي: زيادة وفضلاً من غير سؤال. ثم أشار إلى أن منشأ البركة فيهما الصلاح بقوله: {وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ} بالاستقامة والتمكين في الهداية.

.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [73].
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً} أي: قدوة يقتدى بهم في أمور الدين، إجابة لدعائه عليه السلام بقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124]، {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أي: يهدون الناس إلى الحق بأمرنا لهم بذلك وإذننا. قال الزمخشريّ: فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله، فالهداية محتومة عليه، مأمور هو بها، من جهة الله. ليس له أن يخلّ بها ويتثاقل عنها. وأول ذلك أن يهتدي بنفسه، لأن الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء بالمهدي أميل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} أي: أن تفعل الخيرات، مما يختص بالقلوب أو الجوارح: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} أي: بالتوحيد الخالص والعمل الصالح.